فصل: باب طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ

صباحاً 11 :6
/ﻪـ 
1446
جمادى الاخرة
28
الأحد
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ إِلَى قَوْلِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ليس على الأعمى حرج‏)‏ إلى هنا للأكثر، وساق في رواية أبي ذر الصنفين الآخرين ثم قال ‏"‏ الآية ‏"‏ وأراد بقبة الآية التي في سورة النور لا التي في سورة الفتح لأنها المناسبة لأبواب الأطعمة، ويؤيد ذلك أنه وقع عند الإسماعيلي إلى قوله ‏(‏لعلكم تعقلون‏)‏ وكذا لبعض رواة الصحيح‏.‏

قوله ‏(‏والنهد والاجتماع على الطعام‏)‏ ثبتت هذه الترجمة في رواية المستملي وحده، والنهد بكسر النون وسكون الهاء تقدم تفسيره في أول الشركة حيث قال ‏"‏ باب الشركة في الطعام والنهد‏)‏ وتقدم هناك بيان حكمه، وذكر فيه عدة أحاديث في ذلك، ثم ذكر حديث سويد بن النعمان وفيه ‏"‏ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام فلم يؤت إلا بسويق الحديث ‏"‏ وليس هو ظاهرا في المراد من النهد لاحتمال أن يكون ما جيء بالسويق إلا من جهة واحدة، لكن مناسبته لأصل الترجمة ظاهرة في اجتماعهم على لوك السويق من غير تمييز بين أعمى وبصير وبين صحيح ومريض، وحكى ابن بطال عن المهلب قال‏:‏ مناسبة الآية لحديث سويد ما ذكره أهل التفسير أنهم كانوا إذا اجتمعوا للأكل عزل الأعمى على حدة والأعرج على حدة والمريض على حده لتقصيرهم عن أكل الأصحاء فكانوا يتحرجون أن يتفضلوا عليهم وهذا عن ابن الكلبي‏.‏

وقال عطاء بن يزيد‏:‏ كان الأعمى يتحرج أن يأكل طعام غيره لجعله يده في غير موضعها، والأعرج كذلك لاتساعه في موضع الأكل، والمريض لرائحته، فنزلت هذه الآية، فأباح لهم الأكل مع غيرهم‏.‏

وفي حديث سويد معنى الآية، لأنهم جعلوا أيديهم فيما حضر من الزاد سواء، مع أنه لا يمكن أن يكون أكلهم بالسواء لاختلاف أحوال الناس في ذلك، وقد سوغ لهم الشارع ذلك مع ما فيه من الزيادة والنقصان، فكان مباحا والله أعلم‏.‏

ا هـ كلامه‏.‏

وقد جاء في سبب نزول الآية أثر آخر من وجه صحيح، قال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ‏"‏ كان الرجل يذهب بالأعمى أو الأعرج أو المريض إلى بيت أبيه أو أخيه أو قريبه، فكان الزمنى يتحرجون من ذلك ويقولون‏:‏ إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم، فنزلت الآية رخصة لهم ‏"‏ وقال ابن المنير‏:‏ موضع المطابقة من الترجمة وسط الآية وهي قوله تعالى ‏(‏ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا‏)‏ وهي أصل في جواز أكل المخارجة، ولهذا ذكر في الترجمة النهد، والله أعلم‏.‏

حفيد بنت الحارث بن حزن - خالة ابن عباس - أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سمنا وأقطا وأضبا، فدعا بهن فأكلن على مائدته، وتركهن النبي صلى الله عليه وسلم كالمتقذر لهن، ولو كن حراما ما، أكلن على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم ولا أمر بأكلهن‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ سَمِعْتُ بُشَيْرَ بْنَ يَسَارٍ يَقُولُ حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ النُّعْمَانِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ فَلَمَّا كُنَّا بِالصَّهْبَاءِ قَالَ يَحْيَى وَهِيَ مِنْ خَيْبَرَ عَلَى رَوْحَةٍ دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَعَامٍ فَمَا أُتِيَ إِلَّا بِسَوِيقٍ فَلُكْنَاهُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَضْمَضْنَا فَصَلَّى بِنَا الْمَغْرِبَ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ قَالَ سُفْيَانُ سَمِعْتُهُ مِنْهُ عَوْدًا وَبَدْءًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ليس على الأعمى حرج‏)‏ إلى هنا للأكثر، وساق في رواية أبي ذر الصنفين الآخرين ثم قال ‏"‏ الآية ‏"‏ وأراد بقبة الآية التي في سورة النور لا التي في سورة الفتح لأنها المناسبة لأبواب الأطعمة، ويؤيد ذلك أنه وقع عند الإسماعيلي إلى قوله ‏(‏لعلكم تعقلون‏)‏ وكذا لبعض رواة الصحيح‏.‏

قوله ‏(‏والنهد والاجتماع على الطعام‏)‏ ثبتت هذه الترجمة في رواية المستملي وحده، والنهد بكسر النون وسكون الهاء تقدم تفسيره في أول الشركة حيث قال ‏"‏ باب الشركة في الطعام والنهد‏)‏ وتقدم هناك بيان حكمه، وذكر فيه عدة أحاديث في ذلك، ثم ذكر حديث سويد بن النعمان وفيه ‏"‏ دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بطعام فلم يؤت إلا بسويق الحديث ‏"‏ وليس هو ظاهرا في المراد من النهد لاحتمال أن يكون ما جيء بالسويق إلا من جهة واحدة، لكن مناسبته لأصل الترجمة ظاهرة في اجتماعهم على لوك السويق من غير تمييز بين أعمى وبصير وبين صحيح ومريض، وحكى ابن بطال عن المهلب قال‏:‏ مناسبة الآية لحديث سويد ما ذكره أهل التفسير أنهم كانوا إذا اجتمعوا للأكل عزل الأعمى على حدة والأعرج على حدة والمريض على حده لتقصيرهم عن أكل الأصحاء فكانوا يتحرجون أن يتفضلوا عليهم وهذا عن ابن الكلبي‏.‏

وقال عطاء بن يزيد‏:‏ كان الأعمى يتحرج أن يأكل طعام غيره لجعله يده في غير موضعها، والأعرج كذلك لاتساعه في موضع الأكل، والمريض لرائحته، فنزلت هذه الآية، فأباح لهم الأكل مع غيرهم‏.‏

وفي حديث سويد معنى الآية، لأنهم جعلوا أيديهم فيما حضر من الزاد سواء، مع أنه لا يمكن أن يكون أكلهم بالسواء لاختلاف أحوال الناس في ذلك، وقد سوغ لهم الشارع ذلك مع ما فيه من الزيادة والنقصان، فكان مباحا والله أعلم‏.‏

ا هـ كلامه‏.‏

وقد جاء في سبب نزول الآية أثر آخر من وجه صحيح، قال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ‏"‏ كان الرجل يذهب بالأعمى أو الأعرج أو المريض إلى بيت أبيه أو أخيه أو قريبه، فكان الزمنى يتحرجون من ذلك ويقولون‏:‏ إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم، فنزلت الآية رخصة لهم ‏"‏ وقال ابن المنير‏:‏ موضع المطابقة من الترجمة وسط الآية وهي قوله تعالى ‏(‏ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا‏)‏ وهي أصل في جواز أكل المخارجة، ولهذا ذكر في الترجمة النهد، والله أعلم‏.‏

حفيد بنت الحارث بن حزن - خالة ابن عباس - أهدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سمنا وأقطا وأضبا، فدعا بهن فأكلن على مائدته، وتركهن النبي صلى الله عليه وسلم كالمتقذر لهن، ولو كن حراما ما، أكلن على مائدة النبي صلى الله عليه وسلم ولا أمر بأكلهن‏"‏

*3*باب الْخُبْزِ الْمُرَقَّقِ وَالْأَكْلِ عَلَى الْخِوَانِ وَالسُّفْرَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الخبز المرقق ‏"‏ والأكل على الخوان والسفرة ‏"‏‏)‏ أما الخبز المرقق فقال عياض قوله مرققا أي ملينا محسنا كخبز الحواري وشبهه، والترقيق التليين، ولم يكن عندهم مناخل‏.‏

وقد يكون المرقق الرقيق الموسع ا هـ‏.‏

وهذا هو المتعارف، وبه جزم ابن الأثير قال‏:‏ الرقاق الرقيق مثل طوال وطويل، وهو الرغيف الواسع الرقيق، وأغرب ابن التين فقال‏:‏ هو السميد وما يصنع منه من كعك وغيره‏.‏

وقال ابن الجوزي‏:‏ هو الخفيف كأنه مأخوذ من الرقاق وهي الخشبة التي يرقق بها‏.‏

وأما الخوان فالمشهور فيه كسر المعجمة، ويجوز ضمها، وفيه لغة ثالثة إخوان بكسر الهمزة وسكون الخاء، وسئل ثعلب‏:‏ هل يسمى الخوان لأنه يتخون ما عليه أي ينتقص‏؟‏ فقال‏:‏ ما يبعد‏.‏

قال الجواليقي‏:‏ والصحيح أنه أعجمي معرب، ويجمع على أخونة في القلة، وخون مضموم الأول في الكثرة‏.‏

وقال غيره‏:‏ الخوان المائدة ما لم يكن عليها طعام، وأما السفرة فاشتهرت لما يوضع عليها الطعام، وأصلها الطعام نفسه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ أَنَسٍ وَعِنْدَهُ خَبَّازٌ لَهُ فَقَالَ مَا أَكَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُبْزًا مُرَقَّقًا وَلَا شَاةً مَسْمُوطَةً حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏كنا عند أنس وعنده خباز له‏)‏ لم أقف على تسميته، ووقع عند الإسماعيلي عن قتادة ‏"‏ كنا نأتي أنسا وخبازه قائم ‏"‏ زاد ابن ماجه ‏"‏ وخوانه موضوع، فيقول‏:‏ كلوا ‏"‏ وفي الطبراني من طريق راشد بن أبي راشد قال ‏"‏ كان لأنس غلام يعمل له النقانق يطبخ له لونين طعاما ويخبز له الحواري ويعجنه بالسمن ‏"‏ ا هـ‏.‏

والحواري بضم المهملة وتشديد الواو وفتح الراء‏:‏ الخالص الذي ينخل مرة بعد مرة‏.‏

قوله ‏(‏ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم خبزا مرققا ولا شاة مسموطة‏)‏ المسموط الذي أزيل شعره بالماء المسخن وشوي بجلده أو يطبخ، وإنما يصنع ذلك في الصغير السن الطري، وهو من فعل المترفين من وجهين‏:‏ أحدهما المبادرة إلى ذبح ما لو بقي لازداد ثمنه، وثانيهما أن المسلوخ ينتفع بجلده في اللبس وغيره والسمط يفسده، وقد جرى ابن بطال على أن المسموط المشوي، فقال ما ملخصه‏:‏ يجمع بين هذا وبين حديث عمرو بن أمية ‏"‏ أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يجتز من كتف شاة ‏"‏ وحديث أم سلمة الذي أخرجه الترمذي ‏"‏ أنها قربت للنبي صلى الله عليه وسلم جنبا مشويا فأكل منه ‏"‏ بأن يقال‏:‏ محتمل أن يكون لم يتفق أن تسمط له شاة بكمالها، لأنه قد احتز من الكتف مرة ومن الجنب أخرى، وذلك لحم مسموط‏.‏

أو يقال‏:‏ إن أنسا قال ‏"‏ لا أعلم ‏"‏ ولم يقطع به، ومن علم حجة على من لم يعلم‏.‏

وتعقبه ابن المنير بأنه ليس في حز الكتف ما يدل على أن الشاة كانت مسموطة، بل إنما حزها لأن العرب كانت عادتها غالبا أنها لا تنضج اللحم فاحتيج إلى الحز، قال‏:‏ ولعل ابن بطال لما رأى البخاري ترجم بعد هذا ‏"‏ باب شاة مسموطة، والكتف والجنب ‏"‏ ظن أن مقصوده إثبات أنه أكل السميط‏.‏

قلت‏:‏ ولا يلزم أيضا من كونها مشوية واحتز من كتفها أو جنبها أن تكون مسموطة؛ فإن شي المسلوخ أكثر من شي المسموط، لكن قد ثبت أنه أكل الكراع وهو لا يؤكل إلا مسموطا‏.‏

وهذا لا يرد على أنس في نفي رواية الشاة المسموطة، وقد وافقه أبو هريرة على نفي أكل الرقاق أخرجه ابن ماجه من طريق ابن عطاء عن أبيه عن أبي هريرة أنه ‏"‏ زار قومه فأتوه برقاق فبكى وقال‏:‏ ما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بعينه ‏"‏ قال الطيبي‏:‏ قول أنس ‏"‏ ما أعلم رأى النبي صلى الله عليه وسلم إلخ ‏"‏ نفى العلم وأراد نفي المعلوم، وهو من باب نفي الشيء بنفي لازمه، وإنما صح هذا من أنس لطول لزومه النبي صلى الله عليه وسلم وعدم مفارقته له إلى أن مات‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يُونُسَ قَالَ عَلِيٌّ هُوَ الْإِسْكَافُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَا عَلِمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ عَلَى سُكْرُجَةٍ قَطُّ وَلَا خُبِزَ لَهُ مُرَقَّقٌ قَطُّ وَلَا أَكَلَ عَلَى خِوَانٍ قَطُّ قِيلَ لِقَتَادَةَ فَعَلَامَ كَانُوا يَأْكُلُونَ قَالَ عَلَى السُّفَرِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن يونس قال عن علي‏:‏ هو الإسكاف‏)‏ علي هو شيخ البخاري فيه وهو ابن المديني ‏"‏ ومراده أن يونس وقع في السند غير منسوب فنسبه علي ليتميز، فإن في طبقته يونس بن عبيد البصري أحد الثقات المكثرين، وقد وقع في رواية ابن ماجه عن محمد بن مثنى عن معاذ بن هشام عن أبيه عن يونس بن أبي الفرات الإسكاف، وليس ليونس هذا في البخاري إلا هذا الحديث الواحد، وهو بصري وثقه أحمد وابن معين وغيرهما‏.‏

وقال ابن عدي‏:‏ ليس بالمشهور‏.‏

وقال ابن سعد‏:‏ كان معروفا وله أحاديث‏.‏

وقال ابن حبان‏.‏

لا يجوز أن يحتج به، كذا قال ومن وثقه أعرف بحاله من ابن حبان، والراوي عنه هشام هو الدستوائي وهو من المكثرين عن قتادة وكأنه لم يسمع منه هذا، وفي الحديث رواية الأقران لأن هشاما ويونس من طبقة واحدة، وقد رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وصرح بالتحديث كما سيأتي في الرقاق، لكن ذكر ابن عدي أن يزيد بن زريع رواه عن سعيد فقال ‏"‏ عن يونس عن قتادة ‏"‏ فيحتمل أن يكون سمعه أولا عن قتادة بواسطة ثم حمله عنه بغير واسطة فكان يحدث به على الوجهين‏.‏

قوله ‏(‏عن أنس‏)‏ هذا هو المحفوظ ورواه سعيد بن بشر عن قتادة فقال ‏"‏ عن الحسن قال دخلنا على عاصم ابن حدرة فقال‏:‏ ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم على خوان قط ‏"‏ الحديث أخرجه ابن منده في ‏"‏ المعرفة ‏"‏ فإن كان سعيد بن بشر حفظه فهو حديث آخر لقتادة لاختلاف مساق الخبرين‏.‏

قوله ‏(‏على سكرجة‏)‏ بضم السين والكاف والراء الثقيلة بعدها جيم مفتوحة، قال عياض‏:‏ كذا قيدناه ونقل عن ابن مكي أنه صوب فتح الراء، قلت‏:‏ وبهذا جزم التوربشتي وزاد‏:‏ لأنه فارس معرب، والراء في الأصل مفتوحة ولا حجة في ذلك لأن الاسم الأعجمي إذا نطقت به العرب لم تبقه على أصله غالبا‏.‏

وقال ابن الجوزي‏:‏ قاله لنا شيخنا أبو منصور اللغوي يعني الجواليقي بفتح الراء، قال‏:‏ وكان بعض أهل اللغة يقول‏:‏ الصواب أسكرجة وهي فارسية معربة، وترجمتها مقرب الخل، وقد تكلمت بها العرب قال أبو علي فإن حقرت حذفت الجيم والراء، وقلت أسكر، ويجوز إشباع الكاف حتى تزيد ياء، وقياس ما ذكره سيبويه في ‏"‏ بريهم بريهيم ‏"‏ أن يقال في سكيرجة سكيريجة، والذي سبق أولى‏.‏

قال ابن مكي وهي صحاف صغار يؤكل فيها، ومنها الكبير والصغير، فالكبيرة تحمل قدر ست أواق وقيل ما بين ثلثي أوقية إلى أوقية، قال‏:‏ ومعنى ذلك أن العجم كانت تستعمله في الكواميخ والجوارش للتشهي والهضم، وأغرب الداودي فقال‏:‏ السكرجة قصعة مدهونة، ونقل ابن قرقول عن غيره أنها قصعة ذات قوائم من عود كمائدة صغيرة والأول أولى، قال شيخنا في ‏"‏ شرح الترمذي ‏"‏‏:‏ تركه الأكل في السكرجة إما لكونها لم تكن تصنع عندهم إذ ذاك أو استصغارا لها لأن عادتهم الاجتماع على الأكل أو لأنها - كما تقدم - كانت تعد لوضع الأشياء التي تعين على الهضم ولم يكونوا غالبا يشبعون، فلم يكن لهم حاجة بالهضم‏.‏

قوله ‏(‏قيل لقتادة‏)‏ القائل هو الراوي‏.‏

قوله ‏(‏فعلام‏)‏ كذا للأكثر ووقع في رواية المستملي بالإشباع‏.‏

قوله ‏(‏يأكلون‏)‏ كذا عدل عن الواحد إلى الجمع، إشارة إلى أن ذلك لم يكن مختصا بالنبي صلى الله عليه وسلم وحده بل كان أصحابه يقتفون أثره ويقتدون بفعله‏.‏

قوله ‏(‏على السفر‏)‏ جمع سفرة وقد تقدم بيانها في الكلام على حديث عائشة الطويل في الهجرة إلى المدينة، وأن أصلها الطعام الذي يتخذه المسافر، وأكثر ما يصنع في جلد فنقل اسم الطعام إلى ما يوضع فيه كما سميت المزادة رواية ثم ذكر المصنف حديث أنس في قصة صفية فساقه مختصرا، وقد ساقه في غزوة خيبر بالإسناد الذي أورده هنا بعينه أتم من سياقه هنا ولفظه ‏"‏ أقام النبي صلى الله عليه وسلم بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبنى عليه بصفية ‏"‏ وزاد فيه أيضا بين قوله إلى وليمته وبين قوله أمر بالإنطاع ‏"‏ وما كان فيها من خبز ولا لحم وما كان فيها إلا أن أمر ‏"‏ فذكره وزاد بعد قوله والسمن ‏"‏ فقال المسلمون إحدى أمهات المؤمنين ‏"‏ الحديث، وقد تقدم شرحه مستوفى هناك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا يَقُولُ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَبْنِي بِصَفِيَّةَ فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ أَمَرَ بِالْأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ فَأُلْقِيَ عَلَيْهَا التَّمْرُ وَالْأَقِطُ وَالسَّمْنُ وَقَالَ عَمْرٌو عَنْ أَنَسٍ بَنَى بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا فِي نِطَعٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏وقال عمرو عن أنس‏:‏ بنى بها النبي صلى الله عليه وسلم ثم صنع حيسا في نطع‏)‏ هو أيضا طرف من حديث وصله المؤلف في المغازي مطولا من طريق عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن أنس بن مالك بتمامه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ قَالَ كَانَ أَهْلُ الشَّأْمِ يُعَيِّرُونَ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُونَ يَا ابْنَ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ فَقَالَتْ لَهُ أَسْمَاءُ يَا بُنَيَّ إِنَّهُمْ يُعَيِّرُونَكَ بِالنِّطَاقَيْنِ هَلْ تَدْرِي مَا كَانَ النِّطَاقَانِ إِنَّمَا كَانَ نِطَاقِي شَقَقْتُهُ نِصْفَيْنِ فَأَوْكَيْتُ قِرْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَحَدِهِمَا وَجَعَلْتُ فِي سُفْرَتِهِ آخَرَ قَالَ فَكَانَ أَهْلُ الشَّأْمِ إِذَا عَيَّرُوهُ بِالنِّطَاقَيْنِ يَقُولُ إِيهًا وَالْإِلَهِ تِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْكَ عَارُهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏هشام عن أبيه وعن وهب بن كيسان‏)‏ هشام هو ابن عروة حمل هذا الحديث عن أبيه وعن وهب ابن كيسان، وأخرجه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق أحمد بن يونس عن أبي معاوية فقال فيه ‏"‏ عن هشام عن وهب بن كيسان ‏"‏ فقط وتقدم أصل هذا الحديث في ‏"‏ باب الهجرة إلى المدينة ‏"‏ من طريق أبي أسامة عن هشام عن أبيه وعن امرأته فاطمة بنت المنذر كلاهما عن أسماء، وهو محمول على أن هشاما حمله عن أبيه وعن امرأته وعن وهب بن كيسان ولعل عنده عن بعضهم ما ليس عند الآخر، فإن الرواية التي تقدمت ليس فيها قوله يعيرون وهو بالعين المهملة من العار، وابن الزبير هو عبد الله، والمراد بأهل الشام عسكر الحجاج بن يوسف حيث كانوا يقاتلونه من قبل عبد الملك بن مروان، أو عسكر الحصين بن نمير الذين قاتلوه قبل ذلك من قبل يزيد ابن معاوية‏.‏

قوله ‏(‏يعيرونك بالنطاقين‏)‏ قيل الأفصح أن يعدي التعيير بنفسه تقول عيرته كذا، وقد سمع هكذا مثل ما هنا‏.‏

قوله ‏(‏وهل تدري ما كان النطاقين‏)‏ كذا أورده بعض الشراح، وتعقبه بأن الصواب النطاقان بالرفع، وأنا لم أقف عليه في النسخ إلا بالرفع، فإن ثبت رواية بغير الألف أمكن توجيهها، ويحتمل أن يكون كان في الأصل ‏"‏ وهل تدري ما كان شأن النطاقين ‏"‏ فسقط لفظ شأن أو نحوه‏.‏

قوله ‏(‏إنما كان نطاقي شققته نصفين فأوكيت‏)‏ تقدم في الهجرة إلى المدينة أن أبا بكر الصديق هو الذي أمرها بذلك لما هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة‏.‏

قوله ‏(‏يقول إيها‏)‏ كذا للأكثر ولبعضهم ‏"‏ ابنها ‏"‏ بموحدة ونون وهو تصحيف، وقد وجه بأنه مقول الراوي والضمير لأسماء وابنها هو ابن الزبير، وأغرب ابن التين فقال‏:‏ هو في سائر الروايات ‏"‏ ابنها ‏"‏ وذكره الخطابي بلفظ ‏"‏ إيها ‏"‏ ا هـ و قوله ‏(‏والإله‏)‏ في رواية أحمد بن يونس ‏"‏ إيها ورب الكعبة ‏"‏ قال الخطابي إيها بكسر الهمزة وبالتنوين معناها الاعتراف بما كانوا يقولونه والتقرير له، تقول العرب في استدعاء القول من الإنسان‏:‏ إيها وإيه بغير تنوين، وتعقب بأن الذي ذكره ثعلب وغيره إذا استزدت من الكلام قلت إيه، وإذا أمرت بقطعه قلت إيها ا هـ‏.‏

وليس هذا الاعتراض بجيد لأن، غير ثعلب قد جزم بأن إيها كلمة استزادة، وارتضاه وحرره بعضهم فقال‏:‏ إيها بالتنوين، للاستزادة وبغير التنوين لقطع الكلام، وقد تأتي أيضا بمعنى كيف‏.‏

قوله ‏(‏تلك شكاة ظاهر عنك عارها‏)‏ شكاة بفتح الشين المعجمة معناه رفع الصوت بالقول القبيح، ولبعضهم بكسر الشين، والأول أولى‏.‏

وهو مصدر شكا يشكو شكاية وشكوى وشكاة، وظاهر أي زائل، قال الخطابي أي ارتفع عنك فلم يعلق بك، والظهور يطلق على الصعود والارتفاع، ومن هذا قول الله تعالى ‏(‏فما اسطاعوا أن يظهروه‏)‏ أي يعلوا عليه منه ‏(‏ومعارج عليها يظهرون‏)‏ قال‏:‏ وتمثل ابن الزبير بمصراع بيت لأبي ذؤيب الهذلي وأوله ‏"‏ وعيرها الواشون أني أحبها ‏"‏ يعني لا بأس بهذا القول ولا عار فيه، قال مغلطاي‏:‏ وبعد بيت الهذلي‏:‏ فإن أعتذر منها فإني مكذب وإن تعتذر يردد عليك اعتذارها وأول هذه القصيدة‏:‏ هل الدهر إلا ليلة ونهارها وإلا طلوع الشمس ثم غيارها أبى القلب إلا أم عمرو فأصبحت تحرق ناري بالشكاة ونارها وبعده ‏"‏ وعيرها الواشون أني أحبها ‏"‏ البيت، وهي قصيدة تزيد على ثلاثين بيتا‏.‏

وتردد ابن قتيبة هل أنشأ ابن الزبير هذا المصراع أو أنشده متمثلا به‏؟‏ والذي جزم به غيره الثاني وهو المعتمد، لأن هذا مثل مشهور، وكان ابن الزبير يكثر التمثل بالشعر، وقلما أنشأه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أُمَّ حُفَيْدٍ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ خَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَهْدَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمْنًا وَأَقِطًا وَأَضُبًّا فَدَعَا بِهِنَّ فَأُكِلْنَ عَلَى مَائِدَتِهِ وَتَرَكَهُنَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالْمُسْتَقْذِرِ لَهُنَّ وَلَوْ كُنَّ حَرَامًا مَا أُكِلْنَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا أَمَرَ بِأَكْلِهِنَّ

الشرح‏:‏

ذكر حديث ابن عباس في أكل خالد الضب على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيأتي شرحه بعد في كتاب الصيد والذبائح‏.‏

وقوله ‏"‏على مائدته ‏"‏ أي الشيء الذي يوضع على الأرض صيانة للطعام كالمنديل والطبق وغير ذلك، ولا يعارض هذا حديث أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم ما أكل على الخوان ‏"‏ لأن الخوان أخص من المائدة‏.‏

ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، وهذا أولى من جواب بعض الشراح بأن أنسا إنما نفى علمه قال‏:‏ ولا يعارضه قول من علم، واختلف في المائدة فقال الزجاج هي عندي من ماد يميد إذا تحرك‏.‏

وقال غيره‏:‏ من ماد يميد إذا أعطى، قال أبو عبيد‏:‏ وهي فاعلة بمعنى مفعولة من العطاء قال الشاعر كنت للمنتجعين مائدا

*3*باب السَّوِيقِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب السويق‏)‏ ذكر فيه حديث سويد بن النعمان، وقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ النُّعْمَانِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصَّهْبَاءِ وَهِيَ عَلَى رَوْحَةٍ مِنْ خَيْبَرَ فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَدَعَا بِطَعَامٍ فَلَمْ يَجِدْهُ إِلَّا سَوِيقًا فَلَاكَ مِنْهُ فَلُكْنَا مَعَهُ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ ثُمَّ صَلَّى وَصَلَّيْنَا وَلَمْ يَتَوَضَّأْ

الشرح‏:‏

حديث سويد بن النعمان، قد تقدم شرحه في كتاب الطهارة النعمان، وقد تقدم شرحه في كتاب الطهارة

*3*باب مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَأْكُلُ حَتَّى يُسَمَّى لَهُ فَيَعْلَمُ مَا هُوَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل حتى يسمى له فيعلم ما هو‏)‏ كذا في جميع النسخ التي وقفت عليها بالإضافة، وشرحه الزركشي على أنه ‏"‏ باب ‏"‏ بالتنوين فقال قال ابن التين‏:‏ إنما كان يسأل لأن العرب كانت لا تعاف شيئا من المآكل لقلتها عندهم، وكان هو صلى الله عليه وسلم قد يعاف بعض الشيء فلذلك كان يسأل‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون سبب السؤال أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يكثر الكون في البادية فلم يكن له خبرة بكثير من الحيوانات، أو لأن الشرع ورد بتحريم بعض الحيوانات وإباحة بعضها وكانوا لا يحرمون منها شيئا، وربما أتوا به مشويا أو مطبوخا فلا يتميز عن غيره إلا بالسؤال عنه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ سَيْفُ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَيْمُونَةَ وَهِيَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَدَ عِنْدَهَا ضَبًّا مَحْنُوذًا قَدْ قَدِمَتْ بِهِ أُخْتُهَا حُفَيْدَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ مِنْ نَجْدٍ فَقَدَّمَتْ الضَّبَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدِّمُ يَدَهُ لِطَعَامٍ حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ وَيُسَمَّى لَهُ فَأَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ إِلَى الضَّبِّ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ النِّسْوَةِ الْحُضُورِ أَخْبِرْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَدَّمْتُنَّ لَهُ هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَنْ الضَّبِّ فَقَالَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا وَلَكِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ قَالَ خَالِدٌ فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إِلَيَّ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس في قصة الضب، سيأتي شرحه في كتاب الصيد والذبائح‏.‏

ووقع فيه ‏"‏ فقالت امرأة من النسوة الحضور ‏"‏ كذا وقع بلفظ جمع المذكر، وكأنه باعتبار الأشخاص، وفيه ‏"‏ أخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدمتن له ‏"‏ وهذه المرأة ورد التصريح بأنها ميمونة أم المؤمنين في رواية الطبراني ولفظه ‏"‏ فقالت ميمونة‏:‏ أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما هو، فلما أخبروه تركه ‏"‏ وعند مسلم من وجه آخر عن ابن عباس ‏"‏ فقالت ميمونة‏:‏ يا رسول الله إنه لحم ضب، فكف يده‏"‏‏.‏

*3*باب طَعَامُ الْوَاحِدِ يَكْفِي الِاثْنَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب طعام الواحد يكفي الاثنين‏)‏ أورد فيه حديث أبي هريرة ‏"‏ طعام الاثنين يكفي الثلاثة وطعام الثلاثة يكفي الأربعة ‏"‏ واستشكل الجمع بين الترجمة والحديث، فإن قضية الترجمة مرجعها النصف وقضية الحديث مرجعها الثلث ثم الربع‏.‏

وأجيب بأنه أشار بالترجمة إلى لفظ حديث آخر ورد ليس على شرطه وبأن الجامع بين الحديثين أن مطلق طعام القليل يكفي الكثير لكن أقصاه الضعف، وكونه يكفي مثله لا ينفي أن يكفي دونه‏.‏

نعم كون طعام الواحد يكفي الاثنين يؤخذ منه أن طعام الاثنين يكفي الثلاثة بطريق الأولى بخلاف عكسه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ح و حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَعَامُ الِاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلَاثَةِ وَطَعَامُ الثَّلَاثَةِ كَافِي الْأَرْبَعَةِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ طعام الاثنين يكفي الثلاثة وطعام الثلاثة يكفي الأربعة ‏"‏ واستشكل الجمع بين الترجمة والحديث، فإن قضية الترجمة مرجعها النصف وقضية الحديث مرجعها الثلث ثم الربع‏.‏

وأجيب بأنه أشار بالترجمة إلى لفظ حديث آخر ورد ليس على شرطه وبأن الجامع بين الحديثين أن مطلق طعام القليل يكفي الكثير لكن أقصاه الضعف، وكونه يكفي مثله لا ينفي أن يكفي دونه‏.‏

نعم كون طعام الواحد يكفي الاثنين يؤخذ منه أن طعام الاثنين يكفي الثلاثة بطريق الأولى بخلاف عكسه‏.‏

ونقل عن إسحاق بن راهويه عن جرير قال‏:‏ معنى الحديث أن الطعام الذي يشبع الواحد يكفي قوت الاثنين، ويشبع الاثنين قوت الأربعة‏.‏

وقال المهلب المراد بهذه الأحاديث الحض على المكارم والتقنع بالكفاية، يعني وليس المراد الحصر في مقدار الكفاية، وإنما المراد المواساة وأنه ينبغي للاثنين إدخال ثالث لطعامهما وإدخال رابع أيضا بحسب من يحضر‏.‏

وقد وقع في حديث عمر عند ابن ماجه بلفظ ‏"‏ طعام الواحد يكفي الاثنين وأن طعام الاثنين يكفي الثلاثة والأربعة وأن طعام الأربعة يكفي الخمسة والستة ‏"‏ ووقع في حديث عبد الرحمن بن أبي بكر في قصة أضياف أبي بكر ‏"‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس ‏"‏ وعند الطبراني من حديث ابن عمر ما يرشد إلى العلة في ذلك وأوله ‏"‏ كلوا جميعا ولا تفرقوا فإن طعام الواحد يكفي الاثنين ‏"‏ الحديث فيؤخذ منه أن الكفاية تنشأ عن بركة الاجتماع، وأن الجمع كلما كثر ازدادت البركة وقد أشار الترمذي إلى حديث ابن عمر وعند البزار من حديث سرة نحو حديث عمر وزاد به آخره ‏"‏ ويد الله على الجماعة ‏"‏ وقال ابن المنذر يؤخذ من حديث أبي هريرة استحباب الاجتماع على الطعام، وأن لا يأكل المرء وحده ا ه‏.‏

وفي الحديث أيضا الإشارة إلى أن المواساة إذا حصلت حصلت معها البركة فتعم الحاضرين‏.‏

وفيه أنه لا ينبغي للمرء أن يستحقر ما عنده فيمتنع من تقديمه، فإن القليل قد يحصل به الاكتفاء، بمعنى حصول سد الرمق وقيام البنية، لا حقيقة الشبع‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ ورد حديث بلفظ الترجمة لكنه لم يوافق شرط البخاري فاستقرأ معناه من حديث الباب، لأن من أمكنه ترك الثلث أمكنه ترك النصف لتقاربهما انتهى‏.‏

وتعقبه مغلطاي بأن الترمذي أخرج الحديث من طريق أبي سفيان عن جابر، وهو على شرط البخاري انتهى‏.‏

وليس كما زعم فإن البخاري وإن كان أخرج لأبي سفيان، لكن أخرج له مقرونا بأبي صالح عن جابر ثلاثة أحاديث فقط، فليس على شرطه، ثم لا أدري لم خصه بتخريج الترمذي مع أن مسلما أخرجه من طريق الأعمش عن أبي سفيان أيضا، ولعل ابن المنير اعتمد على ما ذكره ابن بطال أن ابن وهب روى الحديث بلفظ الترجمة عن ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر، وابن لهيعة ليس من شرط البخاري قطعا، لكن يرد عليه أن ابن بطال قصر بنسبه الحديث، وإلا فقد أخرجه مسلم أيضا من طريق ابن جريج ومن طريق سفيان الثوري كلاهما عن أبي الزبير عن جابر وصرح بطريق ابن جريج بسماع أبي الزبير عن جابر، فالحديث صحيح لكن لا على شرط البخاري والله أعلم‏.‏

وفي الباب عن ابن عمر وسمرة كما تقدم، وفيه عن ابن مسعود أيضا في الطبراني‏.‏

*3*باب الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ

فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب المؤمن يأكل في معي واحد‏)‏ المعي بكسر الميم مقصور، وفي لغة حكاها في المحكم بسكون العين بعدها تحتانية، والجمع أمعاء ممدود وهي المصارين‏.‏

وقد وقع في شعر القطامي بلفظ الإفراد في الجمع فقال في أبيات له حكاها أبو حاتم ‏"‏ حوالب غزرا ومعي جياعا‏"‏‏.‏

وهو كقوله تعالى ‏(‏ثم يخرجكم طفلا‏)‏ وإنما عدي يأكل بفي لأنه بمعنى يوقع الأكل فيها ويجعلها ظرفا للمأكول، ومنه قوله تعالى ‏(‏إنما يأكلون في بطونهم‏)‏ أي ملء بطونهم قال أبو حاتم السجستاني‏:‏ المعي مذكر ولم أسمع من أثق به يؤنثه فيقول معي واحدة، لكن قد رواه من لا يوثق به‏.‏

قوله ‏(‏باب المؤمن يأكل في معي واحد، فيه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا ثبت هذا الكلام في رواية أبي ذر عن السرخسي وحده، وليس هو في رواية أبي الوقت عن الداودي عن السرخسي، ووقع في رواية النسفي ضم الحديث الذي قبله إلى ترجمة ‏"‏ طعام الواحد يكفي الاثنين ‏"‏ وإيراد هذه الترجمة لحديث ابن عمر بطرقه وحديث أبي هريرة بطريقيه ولم يذكر فيها التعليق، وهذا أوجه فإنه ليس لإعادة الترجمة بلفظها معنى، وكذا ذكر حديث أبي هريرة في الترجمة ثم إيراده فيها موصولا من وجهين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ لَا يَأْكُلُ حَتَّى يُؤْتَى بِمِسْكِينٍ يَأْكُلُ مَعَهُ فَأَدْخَلْتُ رَجُلًا يَأْكُلُ مَعَهُ فَأَكَلَ كَثِيرًا فَقَالَ يَا نَافِعُ لَا تُدْخِلْ هَذَا عَلَيَّ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ الْمُؤْمِنُ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا عبد الصمد‏)‏ هو ابن عبد الوارث، ووقع في رواية أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ منسوبا‏.‏

قوله ‏(‏عن واقد بن محمد‏)‏ هو ابن زيد بن عبد الله بن عمر‏.‏

قوله ‏(‏فأدخلت رجلا يأكل معه فأكل كثيرا‏)‏ لعله أبو نهيك المذكور بعد قليل‏.‏

ووقع في رواية مسلم ‏"‏ فجعل ابن عمر يضع بين يديه ويضع بين يديه فجعل يأكل أكلا كثيرا‏.‏

قوله ‏(‏لا تدخل هذا على‏)‏ وذكر الحديث هكذا حمل ابن عمر الحديث على ظاهره، ولعله كره دخوله عليه لما رآه متصفا بصفة وصف بها الكافر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَإِنَّ الْكَافِرَ أَوْ الْمُنَافِقَ فَلَا أَدْرِي أَيَّهُمَا قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِثْلِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عبدة‏)‏ هو ابن سليمان، وعبيد الله هو ابن عمر العمري قوله ‏(‏وإن الكافر، أو المنافق فلا أدري أيهما قال عبيد الله‏)‏ هذا الشك من عبدة، وقد أخرجه مسلم من طريق يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر بلفظ ‏"‏ الكافر ‏"‏ بغير شك، وكذا رواه عمرو بن دينار كما يأتي في الباب، وكذا هو في رواية غير ابن عمر ممن روى الحديث من الصحابة، إلا أنه ورد عند الطبراني في رواية له من حديث سمرة بلفظ ‏"‏ المنافق ‏"‏ بدل الكافر‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن بكير‏)‏ هو يحيى بن عبد الله بن بكير، وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريقه، ووقع لنا في الموطأ من روايته عن مالك ولفظه ‏"‏ المؤمن يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء ‏"‏ وأخرجه الإسماعيلي من طريق ابن وهب ‏"‏ أخبرني مالك وغير واحد أن نافعا حدثهم ‏"‏ فذكره بلفظ ‏"‏ المسلم ‏"‏ فظهر أن مراد البخاري بقوله ‏"‏ مثله ‏"‏ أي مثل أصل الحديث لا خصوص الشك الواقع في رواية عبيد الله بن عمر عن نافع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ كَانَ أَبُو نَهِيكٍ رَجُلًا أَكُولًا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ فَقَالَ فَأَنَا أُومِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏سفيان‏)‏ هو ابن عيينة‏.‏

قوله ‏(‏عن عمرو‏)‏ هو ابن دينار، ووقع التصريح بتحديثه لسفيان في رواية الحميدي في مسنده ومن طريقه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏كن أبو نهيك‏)‏ بفتح النون وكسر الهاء ‏(‏رجلا أكولا‏)‏ في رواية الحميدي ‏"‏ قيل لابن عمر إن أبا نهيك رجل من أهل مكة يأكل أكلا كثيرا‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فقال فأنا أومن بالله ورسوله‏)‏ في رواية الحميدي ‏"‏ فقال الرجل أنا أومن بالله ‏"‏ إلخ ومن ثم أطبق العلماء على حمل الحديث على غير ظاهره كما سيأتي إيضاحه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْكُلُ الْمُسْلِمُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرُ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ

الشرح‏:‏

قوله في حديث أبي هريرة ‏(‏يأكل المسلم في معي واحد‏)‏ في رواية مسلم من وجه آخر عن أبي هريرة ‏"‏ المؤمن يشرب في معي واحد ‏"‏ الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا كَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا كَثِيرًا فَأَسْلَمَ فَكَانَ يَأْكُلُ أَكْلًا قَلِيلًا فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَأْكُلُ فِي مِعًى وَاحِدٍ وَالْكَافِرَ يَأْكُلُ فِي سَبْعَةِ أَمْعَاءٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن أبي حازم‏)‏ هو سلمان بسكون اللام الأشجعي وليس هو سلمة بن دينار الزاهد فإنه أصغر من الأشجعي ولم يدرك أبا هريرة‏.‏

قوله ‏(‏إن رجلا كان يأكل أكلا كثيرا فأسلم‏)‏ وقع في رواية مسلم من طريق أبي صالح عن أبي هريرة ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف وهو كافر فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها ثم أخرى ثم أخرى حتى شرب حلاب سبع شياه، ثم إنه أصبح فأسلم فأمر له بشاة فشرب حلابها ثم بأخرى فلم يستتمها ‏"‏ الحديث وهذا الرحل يشبه أن يكون جهجاه الغفاري، فأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى والبزار والطبراني من طريقه أنه قدم في نفر من قومه يريدون الإسلام، فحضروا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المغرب، فلما سلم قال‏:‏ ليأخذ كل رجل بيد جليسه، فلم يبق غيري، فكنت رجلا عظيما طويلا لا يقدم على أحد، فذهب بي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزله فحلب لي عنزا فأتيت عليه ثم حلب لي آخر حتى حلب سبعة أعنز فأتيت عليها، ثم أتيت بصنيع برمة فأتيت عليها، فقالت أم أيمن‏:‏ أجاع الله من أجاع رسول الله، فقال‏:‏ مه يا أم أيمن، أكل رزقه، ورزقنا على الله‏.‏

فلما كانت الليلة الثانية وصلينا المغرب صنع ما صنع في التي قبلها فحلب لي عنزا ورويت وشبعت، فقالت أم أيمن‏:‏ أليس هذا ضيفنا‏؟‏ قال‏:‏ إنه أكل في معي واحد الليلة وهو مؤمن، وأكل قبل ذلك في سبعة أمعاء، الكافر يأكل في سبعة أمعاء والمؤمن يأكل في معي واحد ‏"‏ وفي إسناد الجميع موسى بن عبيدة وهو ضعيف‏.‏

وأخرج الطبراني بسند جيد عن عبد الله بن عمر وقال ‏"‏ جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم سبعة رجال، فأخذ كل رجل من الصحابة رجلا وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم رجلا، فقال له ما اسمك‏؟‏ قال‏:‏ أبو غزوان‏.‏

قال فحلب له سبع شياه فشرب لبنها كله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ هل لك يا أبا غزوان أن تسلم‏؟‏ قال‏:‏ نعم‏.‏

فأسلم، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره، فلما أصبح حلب له شاة واحدة فلم يتم لبنها، فقال‏:‏ مالك يا أبا غنوان‏؟‏ قال‏:‏ والذي بعثك نبيا لقد رويت‏.‏

قال‏:‏ إنك أمس كان لك سبعة أمعاء وليس لك اليوم إلا معي واحد ‏"‏ وهذه الطريق أقوى من طريق جهجاه، ويحتمل أن تكون تلك كنيته، لكن يقوى التعدد أن أحمد أخرج من حديث أبي بصرة الغفاري قال ‏"‏ أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجرت قبل أن أسلم، فحلب لي شويهة كان يحلبها لأهله فشربتها، فلما أصبحت أسلمت حلب لي فشربت منها فرويت، فقال‏:‏ أرويت‏؟‏ قلت‏:‏ قد رويت مالا رويت قبل اليوم ‏"‏ الحديث، وهذا لا يفسر به المبهم في حديث الباب وإن كان المعنى واحدا، لكن ليس في قصته خصوص العدد‏.‏

ولأحمد أيضا ولأبي مسلم الكجي وقاسم بن ثابت في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ والبغوي في ‏"‏ الصحابة ‏"‏ من طريق محمد بن معن بن نضلة الغفاري ‏"‏ حدثني جدي نضلة بن عمرو قال‏:‏ أقبلت في لقاح لي حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت ثم أخذت علبة فحلبت فيها فشربها فقلت‏:‏ يا رسول الله إن كنت لأشربها مرارا لا أمتلئ ‏"‏ وفي لفظ ‏"‏ إن كنت لأشرب السبعة، فما أمتلئ ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

وهذا أيضا لا ينبغي أن يفسر به مبهم حديث الباب لاختلاف السياق‏.‏

ووقع في كلام النووي تبعا لعياض أنه نضرة بن نضرة الغفاري، وذكر ابن إسحاق في السيرة من حديث أبي هريرة في قصة ثمامة بن أثال أنه لما أسر ثم أسلم وقعت له قصة تشبه قصة جهجاه، فيجوز أن يفسر به، وبه صدر المازري كلامه‏.‏

واختلف في معنى الحديث فقيل‏:‏ ليس المراد به ظاهره وإنما هو مثل ضرب للمؤمن وزهده في الدنيا والكافر وحرصه عليها، فكان المؤمن لتقلله من الدنيا يأكل في معي واحد، والكافر لشدة رغبته فيها واستكثاره منها يأكل في سبعة أمعاء، فليس المراد حقيقة الأمعاء ولا خصوص الأكل وإنما المراد التقلل من الدنيا والاستكثار مها، فكأنه عبر عن تناول الدنيا بالأكل وعن أسباب ذلك بالأمعاء، ووجه العلاقة ظاهر، وقيل المعنى أن المؤمن يأكل الحلال والكافر يأكل الحرام، والحلال أقل من الحرام في الوجود نقله ابن التين، ونقل الطحاوي نحو الذي قبله عن أبي جعفر بن أبي عمران فقال‏:‏ حمل قوم هذا الحديث على الرغبة في الدنيا كما تقول فلان يأكل الدنيا أكلا أي يرغب فيها ويحرص عليها، فمعنى المؤمن يأكل في معي واحد أي يزهد فيها فلا يتناول منها إلا قليلا، والكافر في سبعة أي يرغب فيها فيستكثر منها‏.‏

وقيل المراد حض المؤمن على قلة الأكل إذا علم أن كثرة الأكل صفة الكافر، فإن نفس المؤمن تنفر من الاتصاف بصفة الكافر، ويدل على أن كثرة الأكل من صفة الكفار قوله تعالى ‏(‏والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام‏)‏ وقيل بل هو على ظاهره‏.‏

ثم اختلفوا في ذلك على أقوال‏:‏ أحدها أنه ورد في شخص بعينه واللام عهدية لا جنسية، جزم بذلك ابن عبد البر فقال‏:‏ لا سبيل إلى حمله على العموم لأن المشاهدة تدفعه، فكم من كافر يكون أقل أكلا من مؤمن وعكسه، وكم من كافر أسلم فلم يتغير مقدار أكله، قال‏:‏ وحديث أبي هريرة يدل على أنه ورد في رجل بعينه، ولذلك عقب به مالك الحديث المطلق، وكذا البخاري، فكأنه قال‏:‏ هذا إذا كان كافرا كان يأكل في سبعة أمعاء فلما أسلم عوفي وبورك له في نفسه فكفاه جزء من سبعة أجزاء مما كان يكفيه وهو كافر ا ه‏.‏

وقد سبقه إلى ذلك الطحاوي في ‏"‏ مشكل الآثار ‏"‏ فقال‏:‏ قيل إن هذا الحديث كان في كافر مخصوص وهو الذي شرب حلاب السبع شياه، قال‏:‏ وليس للحديث عندنا محمل غير هذا الوجه، والسابق إلى ذلك أولا أبو عبيدة، وقد تعقب هذا الحمل بأن ابن عمر راوي الحديث فهم منه العموم فلذلك منع الذي رآه يأكل كثيرا من الدخول عليه واحتج بالحديث‏.‏

ثم كيف يتأتى حمله على شخص بعينه مع ما تقدم من ترجيح بعدد الواقعة ويورد الحديث المذكور عقب كل واحدة منها في حق الذي وقع له نحو ذلك‏.‏

القول الثاني أن الحديث خرج مخرج الغالب، وليست حقيقة العدد مرادة، قالوا تخصيص السبعة للمبالغة في التكثير كما قوله تعالى ‏(‏والبحر يمده من بعده سبعة أبحر‏)‏ والمعنى أن من شأن المؤمن التقلل من الأكل لاشتغاله بأسباب العبادة ولعلمه بأن مقصود الشرع من الأكل ما يسد الجوع ويمسك الرمق ويعين على العبادة، ولخشيته أيضا من حساب ما زاد على ذلك، والكافر بخلاف ذلك كله فإنه لا يقف مع مقصود الشرع، بل هو تابع لشهوة نفسه مسترسل فيها غير خائف من تبعات الحرام، فصار أكل المؤمن - لما ذكرته - إذا نسب إلى أكل الكافر كأنه بقدر السبع منه، ولا يلزم من هذا اطراده في حق كل مؤمن وكافر، فقد يكون في المؤمنين من يأكل كثيرا إما بحسب العادة وإما لعارض يعرض له من مرض باطن أو لغير ذلك، ويكون في الكفار من يأكل قليلا إما لمراعاة الصحة على رأي الأطباء، وإما للرياضة على رأي الرهبان، وإما لعارض كضعف المعدة‏.‏

قال الطيبي‏:‏ ومحصل القول أن من شأن المؤمن الحرص على الزهادة والاقتناع بالبلغة، بخلاف الكافر، فإذا وجد مؤمن أو كافر على غير هذا الوصف لا يقدح في الحديث‏.‏

ومن هذا قوله تعالى ‏(‏الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة‏)‏ الآية، وقد يوجد من الزاني نكاح الحرة ومن الزانية نكاح الحر‏.‏

القول الثالث أن المراد بالمؤمن في هذا الحديث التام الإيمان، لأن من حسن إسلامه وكمل إيمانه اشتغل فكره فيما يصير إليه من الموت وما بعده فيمنعه شدة الخوف وكثرة الفكر والإشفاق على نفسه من استيفاء شهوته، كما ورد في حديث لأبي أمامة رفعه ‏"‏ من كثر تفكره قل طعمه، ومن قل تفكره كثر طعمه وقسا قلبه ‏"‏ ويشير إلى ذلك حديث أبي سعيد الصحيح ‏"‏ إن هذا المال حلوة خضرة، فمن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع ‏"‏ فدل على أن المراد بالمؤمن، من يقتصد في مطعمه، وأما الكافر فمن شأنه الشره فيأكل بالنهم كما تأكل البهيمة ولا يأكل بالمصلحة لقيام البنية، وقد رد هذا الخطابي وقال‏:‏ قد ذكر عن غير واحد من أفاضل السلف الأكل الكثير، فلم يكن ذلك نقصا في إيمانهم‏.‏

الرابع أن المراد أن المؤمن يسمى الله تعالى عند طعامه وشرابه فلا يشركه الشيطان فيكفيه القليل، والكافر لا يسمى فيشركه الشيطان كما تقدم تقريره قبل، وفي صحيح مسلم في حديث مرفوع ‏"‏ إن الشيطان يستحل الطعام إن لم يذكر اسم الله تعالى عليه‏"‏‏.‏

الخامس أن المؤمن يقل حرصه على الطعام فيبارك له فيه وفي مأكله فيشبع من القليل، والكافر طامح البصر إلى المأكل كالأنعام فلا يشبعه القليل، وهذا يمكن ضمه إلى الذي قبله ويجعلان جوابا واحدا مركبا‏.‏

السادس قال النووي المختار أن المراد أن بعض المؤمنين يأكل في معي واحد وأن أكثر الكفار يأكلون في سبعة أمعاء، ولا يلزم أن يكون كل واحد من السبعة مثل معي المؤمن ا ه، ويدل على تفاوت الأمعاء ما ذكره عياض عن أهل التشريح أن أمعاء الإنسان سبعة‏:‏ المعدة، ثم ثلاثة أمعاء بعدها متصلة بها‏:‏ البواب، ثم الصائم‏.‏

ثم الرقيق والثلاثة رقاق، ثم الأعور، والقولون، والمستقيم وكلها غلاظ‏.‏

فيكون المعنى أن الكافر لكونه يأكل بشراهة لا يشبعه إلا ملء أمعائه السبعة، والمؤمن يشبعه ملء معي واحد‏.‏

ونقل الكرماني عن الأطباء في تسمية الأمعاء السبعة أنها المعدة، ثم ثلاثة متصلة بها رقاق وهي الاثنا عشري، والصائم، والقولون، ثم ثلاثة غلاظ وهي الفانفي بنون وفاءين أو قافين، والمستقيم، والأعور‏.‏

السابع قال النووي يحتمل أن يريد بالسبعة في الكافر صفات هي الحرص والشره وطول الأمل والطمع وسوء الطبع والحسد وحب السمن، وبالواحد في المؤمن سد خلته‏.‏

الثامن قال القرطبي‏:‏ شهوات الطعام سبع‏.‏

شهوة الطبع، وشهوة النفس، وشهوة العين، وشهوة الفم، وشهوة الأذن، وشهوة الأنف، وشهوة الجوع وهي الضرورية التي يأكل بها المؤمن، وأما الكافر فيأكل بالجميع‏.‏

ثم رأيت أصل ما ذكره في كلام القاضي أبي بكر بن العربي ملخصا وهو أن الأمعاء السبعة كناية عن الحواس الخمس والشهوة والحاجة، قال العلماء يؤخذ من الحديث الحض على التقلل من الدنيا والحث على الزهد فيها والقناعة بما تيسر منها، وقد كان العقلاء في الجاهلية والإسلام يتمدحون بقلة الأكل ويذمون كثرة الأكل كما تقدم في حديث أم زرع أنها قالت في معرض المدح لابن أبي زرع ‏"‏ ويشبعه ذراع الجفرة ‏"‏ وقال حاتم الطائي‏:‏ فإنك إن أعطيت بطنك سؤله وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا وسيأتي مزيد لهذا في الباب الذي يليه‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ قيل إن الناس في الأكل على ثلاث طبقات‏:‏ طائفة تأكل كل مطعوم من حاجة وغير حاجة وهذا فعل أهل الجهل، وطائفة تأكل عند الجوع بقدر ما يسد الجوع حسب، وطائفة يجوعون أنفسهم يقصدون بذلك قمع شهوة النفس وإذا أكلوا أكلوا ما يسد الرمق ا هـ ملخصا‏.‏

وهو صحيح، لكنه لم يتعرض لتنزيل الحديث عليه وهو لائق بالقول الثاني‏.‏

*3*باب الْأَكْلِ مُتَّكِئًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الأكل متكئا‏)‏ أي ما حكمه‏؟‏ وإنما لم يجزم به لأنه لم يأت فيه نهي صريح‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا آكُلُ مُتَّكِئًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا مسعر‏)‏ كذا أخرجه البخاري عن أبي نعيم، وأخرجه أحمد عن أبي نعيم فقال ‏"‏ حدثنا سفيان هو الثوري ‏"‏ فكان لأبي نعيم فيه شيخين‏.‏

قوله ‏(‏عن علي بن الأقمر‏)‏ أي ابن عمرو بن الحارث بن معاوية الهمداني بسكون الميم الوادعي الكوفي، ثقة عند الجميع، وماله في البخاري سوى هذا الحديث‏.‏

قوله ‏(‏سمعت أبا جحيفة‏)‏ في رواية سفيان عن علي بن الأقمر ‏"‏ عن عون بن أبي جحيفة ‏"‏ وهذا يوضح أن رواية رقية لهذا الحديث عن علي بن الأقمر عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه من المزيد في متصل الأسانيد لتصريح علي بن الأقمر في رواية مسعر بسماعه له من أبي جحيفة بدون واسطة‏.‏

ويحتمل أن يكون سمعه من عون أولا عن أبيه ثم لقي أباه، أو سمعه من أبي جحيفة وثبته فيه عون‏.‏

قوله ‏(‏إني لا آكل متكئا‏)‏ ذكر في الطريق التي بعدها له سببا مختصرا ولفظه ‏"‏ فقال لرجل عنده لا آكل وأنا متكئ ‏"‏ قال الكرماني‏:‏ اللفظ الثاني أبلغ من الأول في الإثبات، وأما في النفي فالأول أبلغ ا هـ‏.‏

وكان سبب هذا الحديث قصة الأعرابي المذكور في حديث عبد الله بن يسر عند ابن ماجه والطبراني بإسناد حسن قال ‏"‏ أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم شاة فجثا على ركبتيه يأكل، فقال له أعرابي‏:‏ ما هذه الجلسة‏؟‏ فقال إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك تواضعا لله‏.‏

ثم ذكر من طريق أيوب عن الزهري قال ‏"‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم ملك لم يأته قبلها فقال‏:‏ إن ربك يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا أو ملكا نبيا، قال فنظر إلى جبريل كالمستشير له، فأومأ إليه أن تواضع، فقال‏:‏ بل عبدا نبيا‏.‏

قال فما أكل متكئا ‏"‏ ا هـ وهذا مرسل أو معضل، وقد وصله النسائي من طريق الزبيدي عن الزهري عن محمد بن عبد الله بن عباس قال‏:‏ كان ابن عباس يحدث، فذكر نحوه‏.‏

وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال ‏"‏ ما رؤي النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط ‏"‏ وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال ‏"‏ ما أكل النبي صلى الله عليه وسلم متكئا إلا مرة ثم نزع فقال‏:‏ اللهم إني عبدك ورسولك ‏"‏ وهذا مرسل، ويمكن الجمع بأن تلك المرة التي في أثر مجاهد ما اطلع عليها عبد الله بن عمرو، فقد أخرج ابن شاهين في ناسخه من مرسل عطاء بن يسار ‏"‏ أن جبريل رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا فنهاه ‏"‏ ومن حديث أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهاه جبريل عن الأكل متكئا لم يأكل متكئا بعد ذلك ‏"‏ واختلف في صفة الاتكاء فقيل‏:‏ أن يتمكن في الجلوس للأكل على أي صفة كان، وقيل أن يميل على أحد شقيه، وقيل أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض، قال الخطابي تحسب العامة أن المتكئ هو الآكل على أحد شقيه، وليس كذلك بل هو المعتمد على الوطاء الذي تحته، قال ومعنى الحديث إني لا أقعد متكئا على الوطاء عند الأكل فعل من يستكثر من الطعام، فإني لا آكل إلا البلغة من الزاد فلذلك أقعد مستوفزا‏.‏

وفي حديث أنس ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم أكل تمرا وهو مقع ‏"‏ وفي رواية ‏"‏ وهو محتفز ‏"‏ والمراد الجلوس على وركيه غير متمكن‏.‏

وأخرج ابن عدي بسند ضعيف‏:‏ زجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الأكل، قال مالك هو نوع من الاتكاء‏.‏

قلت‏:‏ وفي هذا إشارة من مالك إلى كراهة كل ما يعد الآكل فيه متكئا، ولا يختص بصفة بعينها‏.‏

وجزم ابن الجوزي في تفسير الاتكاء بأنه بالميل على أحد الشقين، ولم يلتفت لإنكار الخطابي ذلك‏.‏

وحكى ابن الأثير في ‏"‏ النهاية ‏"‏ أن من فسر الاتكاء بالميل على أحد الشقين تأوله على مذهب الطب بأنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلا ولا يسيغه هنيئا وربما تأذى به، واختلف السلف في حكم الأكل متكئا فزعم ابن القاص أن ذلك من الخصائص النبوية، وتعقبه البيهقي فقال‏:‏ قد يكره لغيره أيضا لأنه من فعل المتعظمين وأصله مأخوذ من ملوك العجم، قال فإن كان بالمرء مانع لا يتمكن معه من الأكل إلا متكئا لم يكن في ذلك كراهة، ثم ساق عن جماعة من السلف أنهم أكلوا كذلك، وأشار إلى حمل ذلك عنهم على الضرورة، وفي الحمل نظر‏.‏

وقد أخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وخالد بن الوليد وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين وعطاء بن يسار والزهري جواز ذلك مطلقا، وإذا ثبت كونه مكروها أو خلاف الأولى فالمستحب في صفة الجلوس للآكل أن يكون جاثيا على ركبتيه وظهور قدميه، أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى، واستثنى الغزالي من كراهة الأكل مضطجعا أكل البقل، واختلف في علة الكراهة، وأقوى ما ورد في ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قال ‏"‏ كانوا يكرهون أن يأكلوا اتكاءة مخافة أن تعظم بطونهم ‏"‏ وإلى ذلك بقية ما ورد فيه من الأخبار فهو المعتمد، ووجه الكراهة فيه ظاهر، وكذلك ما أشار إليه ابن الأثير من جهة الطب والله أعلم‏.‏

*3*باب الشِّوَاءِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَجَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ أَيْ مَشْوِيٍّ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب الشواء‏)‏ بكسر المعجمة وبالمد معروف‏.‏

قوله ‏(‏وقول الله تعالى فجاء بعجل حنيذ‏)‏ كذا في الأصل وهو سبق قلم والتلاوة ‏"‏ إن جاء ‏"‏ كما سيأتي‏.‏

قوله ‏(‏مشوي‏)‏ كذا ثبت قوله مشوي في رواية السرخسي، وأورده النسفي بلفظ ‏"‏ أي مشوي ‏"‏ وهو تفسير أبي عبيدة قال في قوله تعالى ‏(‏فما لبث أن جاء بعجل حنيذ‏)‏ أي محنوذ وهو المشوي مثل قتيل في مقتول، وروى الطبري عن وهب بن منبه عن سفيان الثوري مثله، وعن ابن عباس أخص منه قال حنيذ أي نضيج، ومن طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد الحنيذ المشوي النضيج، ومن طرق عن قتادة والضحاك وابن إسحاق مثله، ومن طريق السدي قال‏:‏ الحنيذ المشوي في الرضف أي الحجارة المحماة، وعن مجاهد والضحاك نحوه، وهذا أخص من جهة أخرى وبه جزم الخليل صاحب اللغة‏.‏

ومن طريق شمر بن عطية قال‏:‏ الحنيذ قال الذي يقطر ماؤه بعد أن يشوي، وهذا أخص من جهة أخرى والله أعلم‏.‏

ثم ذكر المصنف حديث ابن عباس في قصة خالد بن الوليد في الضب، وسيأتي شرحها في كتاب الصيد والذبائح إن شاء الله تعالى‏.‏

وأشار ابن بطال إلى أن أخذ الحكم للترجمة ظاهر من جهة أنه صلى الله عليه وسلم أهوى ليأكل ثم لم يمتنع إلا لكونه ضبا فلو كان غير ضب لأكل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضَبٍّ مَشْوِيٍّ فَأَهْوَى إِلَيْهِ لِيَأْكُلَ فَقِيلَ لَهُ إِنَّهُ ضَبٌّ فَأَمْسَكَ يَدَهُ فَقَالَ خَالِدٌ أَحَرَامٌ هُوَ قَالَ لَا وَلَكِنَّهُ لَا يَكُونُ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ فَأَكَلَ خَالِدٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ قَالَ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس في قصة خالد بن الوليد في الضب، سيأتي شرحها في كتاب الصيد والذبائح إن شاء الله تعالى‏.‏

وأشار ابن بطال إلى أن أخذ الحكم للترجمة ظاهر من جهة أنه صلى الله عليه وسلم أهوى ليأكل ثم لم يمتنع إلا لكونه ضبا فلو كان غير ضب لأكل‏.‏

قوله في آخره ‏(‏وقال مالك عن ابن شهاب بضب محنوذ‏)‏ يأتي موصولا في الذبائح من طريق مالك